” الإدراك “
عالم الملك أي عالم الشهادة ، وما فيه من كائنات يستلزم لإدراكه ومعرفته أن يكون الإنسان في أحسن تقويم ، أو على الأقل في تقويم حسن ، فيجب أن تكون حواسه حسنة وأهم من ذلك أن يكون إدراكه حسن .
وأهمية الإدراك هو أنه المترجم الحقيقي لكل الحواس من نظر وشم وسمع وخلافها ، فالعين مثلا هي آله تطبع فيها الصور فقط ، ولكن الإدراك هو الذي يترجم هذه الصور إلى حجمها ووضعها الحقيقي ، ونفس الوضع بالنسبة لباقي الحواس المادية ، فهي أنما تنقل إلى المخ إشارات فقط ، أما تعريف وتمييز هذه الإشارات وتعبيرها فهذا من شأن الإدراك .
والعجب أنك لو كنت مستغرقا في عمل ما ، وطرق أحدهم عليك الباب ، فإنك قد لا تسمعه وتعلل ذلك باستغراقك في ذلك العمل ، ولكن السؤال : أين كان سمعك وأنت مستغرق في عملك بيدك وعينك وليس بسمعك ؟؟
كذلك قد تصاب بجرح في معركة .. ولكنك لا تشعر بالجرح ولا بألمه إلا بعد انتهائها !! أين كان احساسك خلال المعركة !!!
بالطبع لم يتغير شيء مادي .. ولكن في الواقع إن الذي تغير بالفعل هو إدراكك أو تمييزك أثناء وبعد المعركة .. وأثناء استغراقك في عمل ما ، فمن الواضح أن معول الأمر كله على الإدراك ، وليس على الأعين ولا الآذان ولا الحواس ..
ومعنى هذا أن الكفار لهم آذان ولكنهم لا يسمعون بها ، فكأنما ليس لهم آذان .. وكذلك ليس لهم أعين وليس لهم لسان ، لأنهم لا يسمعون كلام الله .. ولا يرون آياته .
إذا من هو الأعمى ومن هو البصير ؟! لاشك أن البصير هو المؤمن والأعمى هو الكافر .
ومن هو السامع ؟! إنه المؤمن والأصم هو الكافر .
ومن هو المتكلم ؟! إنه المؤمن والأبكم هو الكافر .
بل من هو الحي ومن هو الميت ؟!. (( وما أنت بمسمع من في القبور )) .
فالكفار أموات .. بل هم في القبور .. أي قبور أنفسهم المادية ..
وخلاصة القول أن المستجلي لعالم الملك والشهادة ومخلوقات الله وآياته في خلقه لابد أن يكون ذا إدراك سليم ، فإذا نقص إدراكه عن الكمال نقصت مشاهداته ونقص علمه ونقصت خلافته في الكون بنفس المقدار .. فلا يرى من عالم الشهادة ولا يفهم من عالم الملك ، لأنه لا يستجلي آيات الله فيه إلا على قدر إدراكه ..
من كتاب (( ” قواعد الإيمان ” – تهذيب النفس )) ص 46
لعبد الله / صلاح الدين القوصي
#أحب_محمدا