يقول ﷺ ” الـلَّـهمَّ إنِّى أعوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وأَعُوذ بِكَ مِنْكَ ، لا أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ ، أنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ”. حديث حسن صحيح ، رواه مسلم والنسائى وغيرهم عن ” عائشة ” رضى الـلَّـه عنها ..
فانظر رحمك الـلَّـه تعالى وإيانا .. كيف يستعيذ رسول الـلَّـه ﷺ من أفعال الـلَّـه تعالى الجَلالية .. بأفعاله الجمالية … وكلها لـلَّـه تعالى !!
ويستعيذ بصفات الرحمة والرأفة من صفات العقوبة والشِّدَّة .. وكلها لـلَّـه تعالى ..
ثم صلى الـلَّـه عليه وسلم يستعيذ بذات الـلَّـه تعالى من ذات الـلَّـه تعالى جَلَّ شأنه !!!!
وهنا تقف المعارف والألسنة والقلوب والأرواح عن الفهم والإدراك .. ، وإذا برسول الـلَّـه ﷺ يقول ” لا أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ ، أنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ” …
تَرَقٍ .. وسُمُو من رسول الـلَّـه ﷺ …. حيث ينتقل ﷺ من حضرات الأسماء .. إلى حضرات الصفات …. إلى حضرات الذات السرمدية .. كلُّ هذا خلال تسبيحة واحدة منه ﷺ ……
جَلَّ جَلالُ الـلَّـه تعالى، وتقدَّسَت ذاته وعَزَّ جاهُهُ ..، فما قدروا الـلَّـه حق قدره … وما عرف الـلَّـه تعالى غير الـلَّـه … وما عُرِفَ الـلَّـه تعالى إلا بالـلَّـه .. جَلَّ شأنُهُ العظيم ..
وفى بضع كلماتٍ قليلة من كتاب الـلَّـه تعالى … ينقلك جَلَّ شأنه وَيُنبِّهك إلى حضرات الأفعال .. وحضرات الصفات .. وحضرات الذَّات فى سهولة ويسر … ، كما أشرنا إلى سورة الناس حيث … يقول تعالى : ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، مَلِكِ النَّاسِ ، إِلَهِ النَّاسِ ﴾ .. وهنا… نأتى إلى الدرجة العُليا … الأُلوهية .. السيطرة والهيمنة على الأرواح … الإله الذى ليس كمثله شيئ… الواحد القهار ..
” فَرَبِّ النَّاس ” … مربِّى الأجساد فى عالم الملك والشهادة بحضرات الأفعال والأسماء.
” ومَلِكِ النَّاس ” … مالكهم ومَلِكُهُم فى القلوب فى عالم الجبروت بحضرات الصفات.
” وإِلهِ الناس ” … خالقُ الأرواح ومحييها فى عالم الملكوت بحضرات الذات.
وهذه الحضرات جميعاً .. الأسماء .. أو الأفعال .. والصفات .. والذات …. اللانهائية .. واللاآنية .. تجمعها جميعاً الحضرة ” الفَرْدانِـيَّـة ” الكبرى ….. فسبحان من جعل الكثرة فى واحد .. والواحد مَظْهَراً
للكثرة ….. وأينما تولوا فثم وجه الـلَّـه تعالى …
ولاتظن أن هناك فواصل بين هذه الحضرات ، محددة العوالم والمعالم .. بل الأمر أكثر تعقيداً من ذلك .. فالحضرات متداخلة .. ومنفصلة…. ، ومن الناس من يعيش فيها أو يزورها كلمح البصر .. ومنهم من يطول مقامه فيها .. ومنهم من يسيح فيها من حضرة إلى حضرة .. ومنهم الُمقِـلُّ ، ومنهم المكثر …
ومنهم من يعيش جسمه فى حضرة الملك ….. ويعيش قلبه ونفسه فى حضرة الجبروت ….. وتعيش روحه فى حضرة الملكوت ، وهو فى كل هذا ثابت راسخٌ كالجبل ، لاتدرى ما به ولا ما فى باطنه …
ومنهم من يتأثر ظاهره .. ومنهم من لايتأثر ظاهره الا بقدر .. ومنهم من لايتاثر ظاهره .. وهو المقام الأكمل كما كان لسيدنا رسول الـلَّـه ﷺ ..
مقتطفة من كتاب ” أنوار الإحسان ( أصول الوصول ) ” – لكاتبه عبد اللـه // صلاح الدين القوصى رضى اللـه عنه