هو سبب رؤية الموجودات وإظهارها للعين، وبدونه تكون الموجودات كالعدم .
فالإدراك العقلىّ نور ، والإدراك الروحىّ نور، والعلم بكافَّة صوره نور، والعارفُ المُدرِكُ على نورٍ من ربِّه، والكافرُ أعمى لا يرى .
والعينُ ترى ، والقلبُ يرى ، “إنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور” .
والفؤادُ يرى، “ما كذب الفؤاد ما رأى”.
والبصيرةُ ترى، فإنها مشتقَّة من البصر والإبصار .
والقرآنُ نورُ اللَّه ، والإيمانُ نور اللَّه ، وكتابُ اللَّه تعالى نور اللَّه، والرسل جميعا نور اللَّه ، وذكْر اللَّه والأعمالُ الصالحة نور، والمؤمن ينظر بنور اللَّه ، والله نور السموات والأرض جَلَّ وعلا.
والنور فى ذاته لا يُرى ، ولكن تُدْرَكُ به الموجودات إذا انبسط عليها ، ” ومن لم يجعل اللَّه له نوراً فما له من نور” .
فلا يتبادرْ إلى ذهنك معنى النور المعتاد الذى ترى به العينُ الأشياءَ ، فالقلب والفؤاد والبصائر لها أيضاً أنوارٌ من جنسها ترى بها ما شاء اللَّه تعالى من عوالمه.
وهذا يفسِّرُ لكَ بعض الكرامات التى تحدث من الأولياء، فأنت تجلسُ معهُ ولا ترى ما يراهُ هُو ، وقد رأى “ابنُ عباس” رضى اللَّه عنه سيدَنا جبريل يناجى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فى مجلسه بين الصحابة ، ولم يَرَ أحدٌ غَيْرُهُ أمينَ الوحى عليه السلام، رغم وجودهم جميعاً فى نفس المجلس، فلو كان قد رآه بعينيه فقط لرآه كلُّ الحاضرين.
وتفسيرُ ما يحدث – على قدر ما علمنا وهو أقل القليل- هو أنه يرى ببصيرته حقًّا ، ولكنْ تنقدحُ قوة بصيرتِهِ فى بصرهِ، حيثُ أنَّ بصره هو آلة الرؤيةِ عنده، فتتركَّز قُوى بصيرته فى قوة إبصار عينيه ، فهو حينئذٍ يرى ببصره المنجلى بنور بصيرته، ولو أغمض عينيه فى هذه الحالة لرأى تماماً ما يراه وهو مفتوح العينين، لأن الأصل فى الرؤيةِ لم تكن العينان ولكنها البصيرة….
وفى بعض الأحوال يرى وهو مغمض العينين، فإذا فتحهما ذهبت الرؤيةُ، لأن عينيه الماديتين ليستا مجهزتين لاستقبال قوة بصيرته.
ومن هذا المنطلق نُفَسِّر بعضَ ما يراه النائم .
ولكن يجب التحفُّظ على هذا التفسير ، فهو لا يُطلق على مـا يتخــيَّله ويتــوهَّمــه بعــض الـناس فيظــنونه رؤى يقظة.
ولا يُفَرِّقُ بين الوهم والخيال والحقائق غير عارفٍ بالله تعالى، فلا يجوز للمريد السالك أنْ يفسر لنفسه هذه الظواهر ولابد من عرضها على المُرَبِّى.
ورغم أننا تحدثنا عن النور المعنوى الذى هو نور المعرفة والإدراك والإيمان، إلا أن هذا لا يمنع أن هناك أيضا نورٌ مادىّ، وله ألوان مختلفة كالأصفر والأحمر والأخضر والأزرق، وفيه ومنه تتكوَّن عوالم لا يعلمها إلا اللَّه تعالى ، وقد تتعامل معه النفس أو الروح أو العين مباشرة ، ألا ترى أن الملائكة قد خُلقت من نور وأن أجسامهم نورانية ، أليس هذا عالَما من العوالم المخلوقة؟؟.. ويضرب اللَّه الأمثال .
وفى الإشارة كفاية عن العبارة خوفاً من الزلل.
مقتطفة من كتاب ” مقدمة أصول الوصول ” – لعبد اللـه // صلاح الدين القوصى
للإستماع إلى إذاعة ” حب النبى ” عبر الإنترنت :