” الحقيقة بإطلالة شهر رجب يبدأ الأنوار الإلاهية كما قال صلى الله عليه و سلم : ” ألا إن لربكم فى أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها ” , و يقول صلى الله عليه و سلم : ” رجب شهر الله , و شعبان شهرى , و رمضان شهر أمتى ” .. الخير موجود فى كل هذه الشهور الثلاث على وجه التحديد .. بخلاف طبعا الأشهر الأخرى أشهر الحج و خلافه .. طبعا الكتب مليائة أولا بفضائل شهر رجب , و فضائل شهر شعبان , و فضائل شهر رمضان .. هذا أمر من السهل معرفته فى الكتب و كثير من يتحدث فيه .. و لكن هناك لقطات بسيطة , خفيفة و لكنها عميقة .. مثلا فى شهر شعبان تم تحويل القبلة كما نعلم جميعا فى ليلة النصف الذى يحتفل بها المسلمون أجمعون .. لما تنظر حضرتك فى الآيه الكريمة اللى فيها تحويل القبلة .. تجد أمر يستلفت النظر .. أنت تتحدث عن الروحنيات .. نحن الآن نتحدث عن الروحنيات يعنى عن بواطن الأمور الشرعية , عما يهز القلب و الوجدان ,و يحرك الإيمان فى القلوب , و ليس عن الأمور الظاهرة من صلاة أو صيام أو تشريع .. فتجد إن الآية تركيبها عجيب يقول الله سبحانه و تعالى : ( قد نرى تقلب وجهك فى السماء ) .. الصلاة فرضت و إتجه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بيت المقدس شىء من الطبيعى لأنه أقرب أهل الكتاب مما سبق الرسول عليه و الصلاة و السلام كانوا يتجهون إلى بيت المقدس .. فإتجه رسول الله إلى بيت المقدس .. ولكن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان قلبه ميال إلى مكة , و يحب مكة و يعلم أنها بيت الله الحرام , و أنها أول بيت وضع للناس , و أن أقام الجدران و القواعد سيدنا إبراهيم و سيدنا إسماعيل , و هو يقول صلى الله عليه و سلم : ” والله إنكِ لأحب البقاع إلى الله تعالى ” .. هذا قبل أن ينزل رسول الله إلى المدينة المنورة .. و لكنه أدبا مع الله لا يستطيع حتى أن يسأل الله أن يحول القبلة أو يتجه فى الصلاة إلى غير بيت المقدس .. فيجول بخاطره , و يجول بقلبه , كل هذا الحب لبيت الله الحرام و لكنه يستحى خجلا من الله أن يطلب شيئا من الله قبل أن يريده الله سبحانه و تعالى .. و هذا شأن الأنبياء جميعا .. حضرتك يعنى هم يستقيموا مع الله فيما أراد الله بصرف النظر عما فى قلوبهم .. يعنى حتى الأنبياء اللذين تعرضوا لبلاء من الله , تجد أنهم لم يطلبوا من الله الشفاء خجلا و حياءا من الله , أن يُعدَلُوا على قضاء الله , سيدنا ذا النون يقول له إيه : ( لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين ) لم يقل نجنى .. سيدنا أيوب يقول : ( ربى إنى مسنى الضر و أنت أرحم الراحمين ) ..
أنظر إلى الأدب العالى فى روحانية رسول الله صلى الله عليه و سلم , تكملة الآية : ( قد نرى تقلب وجهك فى السماء ) , محتار يا محمد بين بيت المقدس الذى تتوجه إليه و بين الكعبة التى تحبها و تقدرها و نعظمها , إنظر إلى الكلمة الخطيرة فــلــنـــولـــيـنــك , إنظر فيها كم من التأكيد الفاء , واللام , و النون , فلنولينك , الله سبحانه و تعالى بعزته , و جلاله , و عظمته يراضى و يرضى محمد صلى الله عليه و سلم .. ( فلنولينك قبلة ترضاها ) .. كأن هذا التحويل إرضاءا لرسول الله صلى الله عليه و سلم .. و ليس هذا بغريب .. فلقد قال الله سبحان و تعالى : ( و لسوف يعطيك ربك فترضى ).. إنظر إلى عظمة رسول الله صلى الله عليه و سلم .. و كيف رسول الله يعامل ربه ؟ , و كيف ربه سبحانه وتعالى يعامل رسوله الله صلى الله عليه و سلم ؟ , و هو يقول : ( و إنك على خلق عظيم ) .. “
مقتطفة من حديث لسيدى عبد اللـه // صلاح الدين القوصى فى ليلة النصف من شعبان – ببرنامج شارع الكلام – قناة النيل الثقافية