السير والسلوك

فالجُزْء الأول هو دليلُ السلوك وإقامة شعائر الـلَّـهِ تعالى من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجٍّ  ،  وهذه أحكامٌ أوجزناها من المراجع الفقهية ، وأعدنا ترتيبها وعرضها ، بما يناسب العصرالذى نحن فيه ، دون تعليقٍ ولا اجتهادٍ منا .

أما الجُزْءُ الثانى وهو دليلُ السـيْرِ بالقلب والنفس إلى رضوان الـلَّـه تعالى وأنواره ، فقد كان حَديثاً طويلاً بينى وبين القارئ ، خاطبته فيه بمنطقه وعقله هو  ،   فكان لِـزامـًا أن أحاور وأداور واستشهد وأقْدِم وأُحجِم معه ، حتى أعرض بضاعتى عليه ، وحتى أقنعه بما أعْرِضُهُ .

وفى الحقيقة لا غنى للمسلم عما جاء فى الجزئين … الأول لتربيةِ ظاهره ، والثانى لتربيةِ باطنهِ الروحى .. ، والـلَّـهُ تعالى هو الظاهر
والباطن .. ولابد أن تكون عبادةُ الـلَّـهِ بالظاهر والباطن ،  فأحكامُ الصلاةِ من طهارةٍ وركوعٍ وسجودٍ لازمةٌ للمسلم .. وهذا هو الشِقُّ الظاهر .. والخشوع فى الصلاة ِلازمٌ أيضا ، وهذا هو الشـِـقُّ الباطن.

والامتناع عن الطعام والشراب ، وما ينقضُ الصيام ، لازم لأداء الصوم … ، و هذا هو الشـقُّ الظَـاهر .. ، ومراقبة الـلَّـه تعالى فى صيامه  ، وحسن الخُــلُقِ ، والأدب مع الـلَّـهِ ، هو الشِقُّ  الباطن ..

فباجتماع الظاهر مع الباطن تَتِمُّ عبوديَّـةُ العبْدِ وعبادَتُهُ ، وهذه هى التجارة مع الـلَّـهِ تعالى …  سَيْرٌ .. وسُلُوكٌ ..

يقول تعالى  :  (  وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )

ويقول جَلَّ  شأنه  : ( أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  )

ويقول  : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ  )

و قول رسول الـلَّـه ﷺ : ” لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُم الجَـنَّةَ بِعَمَلِهِ .. قَالُوا وَلا  أَنْتَ يَا رَسُولَ الـلَّـهِ ،  قَالَ وَلا أَنَا إِلاَّ  أَنْ يَتَغَمَّـدَنِـى الـلَّـهُ
بِرَحْمَتِهِ “   ،   يَدُلُّ دلالةً واضحةً على أنَّ دُخول الجَـنَّة أصلاً لا يكون إِلاَّ برحمةِ الـلَّـه تعالى .. فبدونها لا يكون للعَبْد نصيب … حتى أعماله لا تُجْدِى.. فإن العمل من العبد يلزمه الإخلاصُ ، ثم الإتمامُ  ، والكمالُ  .. ثم التزكِيَةُ من الـلَّـه تعالى .. فيُطَـهِّـرُهُ جَلَّ  شأنه ، ثم يُزَكِّـيه ، ثم يقبَلُهُ ، ثم يُنَمِّيه،  ثم يجعله شافعـًا لصاحِبِهِ  ، وكُلُّ هذا بفضلِ الـلَّـهِ تعالى ورحمته، فيدْخُـلُ العبدُ الجنَّـةَ برحمة الـلَّـه تعالى وفضله  ، ثم تتفاوتُ درجَاتُهُ فى الجنة على قدر عَمَلِهِ ، وما زكَّاهُ الـلَّـه مِنْهُ وقَبِلَه وَنمَّاهُ لَهُ  ، فافهم يا أخى هذا المعنى الدقيق .

مقتطفة من كتاب ” أنوار الإحسان ( أصول الوصول ) ” – لعبد اللـه // صلاح الدين القوصى

www.alabd.com

attention.fm