الحضرة

لا نريد الدخول فى تعريفات فلسفية …. ولا أن نتَقَيَّدَ بكلامِ غيرنا ….

لذلك نقول ببساطة ، أن الحضرةَ هى الحضور … من حضر …  يحضرُ حُضُوراُ .. فهو حاضرُُ ونحن فى حَضْرَتِهِ …

والحاضِـرُ هو ضِدُّ الغائب … فَمَنْ حَضَرَكَ فأنت فى حَضْرَته .. وإنْ كان العُرْفُ قد جرى على نسبتها إلى من هو أعلى مقامـًا … فتقولُ أنت فى حضرةِ السلطان ، وليس السلطانُ فى حضرتك …

 وباختصار .. فكلُّ حاضرٍ أعلى منك مقاما فأنت تكونُ فى حضرتِهِ … وهى كذلك كلمة تعظيم .. فتقول حضرةُ السلطان .. وحضرَةُ مولانا  …. وهى بذلك إِشارةٌ لطيفةُُ إلى عظمة مَنْ تـصِفُهُ  .. ذلك أنَّ عظمة وهيبة من نتحدَّث عنه تتجاوزُ شخصه وتعمُّ المجلِسَ كُـلَّه .. وتُسيطِرُ على المكان الذى يُوجَدُ هو فيه …

وهذا التواجدُ لمن نعنى فى مكانٍ ما .. يجعلُ للمكانٍ والمجلِسِ صفاتٍ وخواصًا مستمدّة من صفاتهِ  … من عظمةٍ أو كرمٍ
أو عِلْمٍ أو بأسٍ .. وغيرها ..
     

والغريبُ أن هذا الاحترام للسلطانِ ولحضرتِه ولمجلِسهِ يكون فى حضور السلطانِ أو فى غيابهِ … فلو دخلتَ قاعةَ المـُـلْك، ولم يكن المَلِكُ حاضِراً فيها  ، فلا يجوزُ لك أن تجلس على كرسىِّ العَرْشِ ، ولا يجوز لك أن تعبث بممتلكاتهِ فى القاعةِ … الـلَّـهمَّ إلا َّ فى حدود ما أمر هُوَ ، وَسَمَحَ بِهِ ، لِحِكْمَةٍ هو يراها …

و المُلـْك غيرُ الحضرةِ … فالمُـلْك  هو كُلُّ ما بسطَ المَلِكُ سلطانه عليهِ .. ، وأنت ملزمُُ بتطبيقِ قوانينِهِ وتشريعاتِهِ فى
مملكتِهِ .. فلا بُدَّ من طاعتِهِ …. واحتِرامِ حُدودِهِ … فإن لم تفعل فقد دخلت تحت طائلةِ عقابهِ.

ولكن الحضرةَ غيرُ ذلك ….

فأنت فى الحضرة مطالب بالأدب العالى  الذى يناسب حال المَلِكِ ، حتى تنال رضاه عنك ومحبته لك … وهذا يستلزم منك معرفةً بصفاتهِ      وخُلُقِهِ .. فتعرف كيف تسترضيه إذا غضب .. ومتى وكيف تحادثه لتستجلبَ كرمه وإحسانه وعفوَّه … ومتى تُقْدِمُ ومتى تُحْجِمُ .. وهكذا.

فَمُجالَسَةُ الملوك يلزمها غير اتباع الأوامر والنواهى ،  الأدب العالى والذوق والحسُّ المرهف فى حضرة المَلِك …

والخطأ فى حضرة الملك .. ليس كالخطأ بعيداً عن مجلسه …، فإن الصغيرة قد تودى بصاحبها إلى الهلاك .. فإن السائر على قمة جبل لاتكون زلة قدمه كالسائر على الأرض …

وكذلك أهل حضرة المَلِكِ يكونون هم أغنى الناس بعطاياه وهداياه … ويكون لهم عند المَلِكِ كلمة وشفاعة فى رعيَّـته .. ، وكذلك يكونون على خطر عظيم خوفا من أية زلَّةٍ مهما صغرت …. وخلاصة ما نعنيه ، هو أن أهل حضرة السلطان هم خلاصة قومه .. وأهل الثقة وأصحابُ سِرِّهِ ، وموقع نظره وكرمه ، وهم كذلك أهل المعاناة مع أنفسهم وأرواحهم ، للوصول إلى الأدب العالى اللازم للحضرة …  

مقتطفة من كتاب ” أنوار الإحسان – الباب الرابع ” – لسيدى عبد اللـه // صلاح الدين القوصى     

www.alabd.com

attention.fm