لو نظرت إلى أفعال العباد والتى هى أساس الحساب فى الثواب والعقاب يوم القيامة ، وحاولت أن تتدبر كيف يُحْدِثُ العبد الفعل أو يأتى بالعمل لوجدت هذا التسلسل الآتى :
يبدأ الأمر بخاطر فى النفس.. إمّا خاطر شيطانى أو خاطر رحمانى فالخاطر الشيطانى هو الذى يأمر بالشر والمعصية.، والخاطر الرحمانى هو الذى يأمر بالخير والطاعة.، ثم يظل هذا الخاطر يزيد قوة فى نفسك حتى تنعقد النية على الفعل..، ثم العزم على الفعل ذاته، ثم الفعل نفسه الذى تفعله بالجوارح..
فالباعث الأول للفعل هى الخاطر الذى يأتيك..، وهذا الخاطر أنت لا تستطيع أن تجلبه بنفسك ولا أن ترده بنفسك ، إلا إذا جاءك خاطر آخر مخالف له، فالخواطر تدفعها الخواطر..، وأنت بين الخاطرين الأول والثانى لا حول لك ولا قوة اللَّهم إلا بقوتك الفكرية..، فإذا كانت قوتك الفكرية مستنيرة بنور الشرع وأحكامه كان لك فى نفسك وازعا إلى الخير..
وقد سبق القول أن قوة النفس الخيالية هى موضع استقبال تلك الخواطر والوسوسة والإلهام..، وعلى هذا فإن أفعالك كلها مصدرها وأساسها قوة نفسك الخيالية…، وهذه الخواطر هجومية عليك.. من اللَّه تعالى بلا مقدمات بلْ هى بين إصبعين من أصابع الرحمن.. جلت قدرته..
فإن كان الغالب على هذه الخواطر أنَّها رحمانِيَّة.. فذلك هو الخير لك، وان كان الغالب عليها أنَّها شيطانية فذلك هو الشر…
وهذا هو نور اللَّه تعالى الذى يقذفه فى قلب العبد المؤمن.. من عنده تعالى بلا اكتساب من العبد.. ولكن هدية ونفحة من رحمة اللَّه .. وهذا هو النور الحقيقى حيث يقول ﷺ ” اتقوا فراسة المؤمن فإنَّه ينظر بنور اللَّه ” كما رواه الديلمى ، وروى الديلمى أيضا عن السيدة أم سلمة قول الرسول ﷺ:” إذا أراد اللَّه بعبد خيراً جعل له واعظاً من نفسه يأمره وينهاه”..
مقتطفة من كتاب “قواعد الإيمان (تهذيب النفس)-الباب الثاني” – لعبد اللـه // صلاح الدين القوصى