” الإحسان والعبودية “

     الإحسان والعبودية :

الإحسانُ لغةً معناه الإتقان والإجادة  ،  وكذلك معناه الفضلُ والزيادةُ ، فالذى يُحسِنُ عَمَلاً يستدعى منه ذلك أن يستفرغ علمه كُـلَّه ومهارَتَهُ كـُـلَّها لِحُسْنِ أداءِ العمل حتى يكون فى درجة الكمال أو قريبا منها …

فالعلم بالصنعة وأسرارها وحده لا يكفى .. بل لا بد من بذل الجهد اللازم لحسن الأداء وتطبيق العلم والمعرفة …

والخلْقُ يتفاوتون فى العلم والمعرفة  ، كما أنهم يتفاوتون فى القدرات  ،  ولذلك كان إتقانهم أو إحسانهم للأعمال متفـاوت الدرجات ،  والكُلُّ يَظُنُّ نفسه قد أحسن …

لذلك يأتى التعريف الدينى الشرعى للإِحْسَانِ ليقيسَ كل مسلم عمله عليه … فيقول   : ”  الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ الـلَّـهَ كـَـأَنـَّـكَ تَراهُ  ، فَـإِنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فـَـإِنَّــهُ يَرَاكَ  “ ،  وبذلك وضع r حدود مرتبة الإحسان مع الـلَّـه تعالى .. وجعله بين مراقبة الـلَّـه تعالى ، ومشاهدته بالمعنى الشرعى الصحيح، كما سيأتى تفصيلاً بإذن الـلَّـه تعالى …

فإذا لم يصل العبد إلى مرتبة مراقبة الـلَّـه تعالى فى كل أفعالهِ الـظـاهرة والـباطـنة  ،  وإنْ لـــــمْ يشاهـــد الـلَّـه تــعـالى فى كل أفـعاله بالمعنى الشرْعِىّ الصحيح  ، كما يقول جَلَّ  شأنه :   ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ ) .. فما دخل بعدُ فى مقام الإحسان !!

والإحسان معناه كذلك الفضلُ والزيادة عن حد الاعتدال … فمن أخذ الحقَّ بالحقِّ فهو من أهل العدل … ومن عَفَا وأصلح فهو من أهل الإحسان …

يقول تعالى  : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ )

ويقولُ جَلَّ  شأنه : ( وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ )

ويقولﷺ : ”إِنَّ الـلَّـهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلاً أَنْ يُـتْـقِـنَهُ “  رواه البيهقى عن ” عائشة “ رضى الـلَّـه عنها …

ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام ”إنَّ الـلَّـهَ تَعَالَى قَدْ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَئٍ ، فَإِذا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ ، وإِذا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ ، وليُحِدّ أحَدُكُمْ شَـفْـرَتَهُ ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ“ حديثٌ صحيح ، رواه أحمد ومسلم والترمِذى عن” ابن ماجة  “ .

فالأمر إلينا من الـلَّـه ورسوله بالإحسان فرضٌ وليس نافلة كما يتصور البعض  ،  فإن الـلَّـه تعالى كما قال ﷺ : ” طَيِّبُُ لايَقْـبَـلُ إِلاَّ طـَـيِّـبـًا“  ، والعملُ الطَيِّبُ يلزمه الإتقان نية وأداءً .

ويبينُ لنا جَلَّ  شأنه فى كتابه العزيز  ، الطريق للوصول إلى الإحسان حيثُ يقول  : ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ )

ويقول : ( وَمَن يُسلِم وَجهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحسِنٌ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى )

ويقول  : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .

  •  فالإسلام هو إسلام الوجه إلى الـلَّـه تعالى وتسليم كل أمورك إليه  ، وتوجيه كُلِّ النـِيَّـة الصادقة إلى الـلَّـه تعالى فى عباداتك وعاداتك ..
  •  والإيمان هو صدق اليقين بصفات الـلَّـه تعالى وأسمائه الحسنى  ،  وإدراك هذه المعانى ذوقاً وشهوداً بالقلب والنفس والروح .
  •  ثم يأتى دور التقوى لتزيد من درجة الإيمان ..

وأولُ ما يَتَّقِى العَبْدُ هوَ أنْ يَتَّقِىَ مَا حَرَّمَ الـلَّـه تعالى .. ثم يَتَّقِى ما اشتبه عليه بين الحرام والحلال .. ثم يَتَّقِى فُضُولَ الحَلالِ فيترك ما لا بأس فيه ، خوفا من الوقوع فيما فيه بأس … ثم يَتَّقِى الحلال ، فلا يأخذ منه  إلا على قدر ضرورته ، لا على قدر نَهَمَتِهِ وشهوته … ثم يتدرج حتى يَتَّقِىَ كُلَّ ما سِوى الـلَّـه تعالى .. ولاينشغل بالدنيا إلا على قد ر الضرورة التى تبيح له الحياة .. ويجعل كل سعيه وجهده فى سبيل الـلَّـه تعالى وابتغاء مرضاته .

  • ثم تأتى بعد ذلك مرتبة الإحسان بما فيها من مراتب ذَوْقِ الشُّهُودِ والرؤيا كما قال ﷺ …

مقتطفة من كتاب “أنوار الإحسان ” لسيدى عبد اللـه // صلاح الدين القوصى

www.alabd.com

www.attention.fm