يقول ﷺ ” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان” رواه أحمد فى مسنده و مسلم فى صحيحه والأربعة (أبوداود، الترمذى، النسائى، ابن ماجة) عن أبى سعيد بسند صحيح
و درج المفسرون على شرح الحديث بأن التـغيـيـر باليد يكون للسلطان و ولـى الأمر.. وباللسان للدعاة وأهل الحِسْبَـة.. فإن لم يكن فليستنكـر بقلبه أو يدعو اللَّه أن يغير هذا المنكر.. بقلبه!!
فـلا أدرى من أين جاء الـشـراح بمـعـنـى يستـنـكـر هـذه !! الحديث فيه أمر بالتغيير وليس الاستنكار.. و معنى كلام رسول اللَّـه أن هناك قدرات ثلاث عند المسلمين.. اليد.. و اللسان.. والقلب.. و ما دام رسـول اللَّه قد قال هذا فلا شك أن هناك فئة منهم قادرين على التغيير فى قلوب الآخرين.. فيمنعونهم عن هذا المنكر…
و قـول رسول اللَّه ﷺ “و ذلك أضعف الإيمان”.. فنحن نعلم أن.. ذلك .. إسم إشارة للبعيد…. وهذا.. إشـارة للقـريـب ….
فذلك أضـعـف الإيمان .. إشـارة منه ﷺ إلى أن الأبـعـد فـى الأمور الـثـلاثـة و هو …. فليـغـيـره بـيـده.. لأن هؤلاء الذين منحهم اللَّـه قُـوَّة فى قلوبهم على تـغـيـيـر الآخرين.. لا شك أنهم هم الأقوى حتى يغـيـروا من على بعد دون قوة ولا نصيحة….
وسوف تستجلى هذا المعنى فى الحديث الـقادم لتـعـرف أن اللَّه تعالى قد خـص أنـاسـا بقوة إيمان فى قلوبهم هى أداة للتغيـير..
يقول ﷺ : ” إن اللَّه تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها” وفى رواية ” أمر دينها ” رواه أبو داود والحاكم فى المستدرك والبهيقى فى المعرفة عن أبى هريرة و صححه السيوطى.
تـنـبـه !! على رأس كـل مائة عام .. أتراك تستطيع أن تحدد لنا ثلاثـة عـشـر مجددا لإيمان الأمـة !!
إنهم حتى الآن مجهولون .. و إن زعم البعض تعصبا لبعض العلماء أنهم مجددون فما هذا إلا عصبية و ادعاء.. لأن قول رسول اللَّه يدل على أن تجديد الإيمان للأمة كلها .. من سمع منهم هذا الإمام أو لم يسمع عنه أو منه ..
ثم تعال معى .. لم تنتشـر الـطباعة والصحف إلا فـى القـرنـين الأخيرين فــكيـف كـان الإمـام المجدد فى العصور الأولى يجـدد الإيمان وليس عنده وسائل نشر ولا إعلام بإذاعة ولا صحف!! ..
لا شك إن مقصود رسول اللَّـه ﷺ إن التجـديـد لا يكون بالأسلوب المادى نقلا وكتابة.. بل إن هنـاك وسيلة أخرى للتـأثـيـر فى القلوب بالقلوب و الأرواح .. بحيث لا يحتاج المجدد إلى الوسائل الدنيوية.. بل يستـطيع بقوة روحانيته و إيمانِه.. أن يكون له هذا التأثير فيجدد إيمان الأمة..
إذا أضفت هذا المعنى إلى المعنى السابق لعلمت أن رسول اللَّه ﷺ يؤكد لك أن فى الأمة المحمدية من حباه اللَّـه بقوة إيمان و روحانية عالية يستطيع بها أن يؤثـر و يغـيـر..
و لا تسأل من وكيف !! فنحن نتحدث عن منطقة عالية من الروحانية و فيها من الأسرار الرحمانية ما لا يدرك بالعقل الدنيوى المادى ..
لا تحجـر لى عقلك.. و تغلق مفاهيمك بالقوانين الأرضية المادية.. التى لا تعرف إلا الماء.. و الهواء .. و التراب .. و نحن نتكلم عن الروح .. و الفؤاد.. و اللب.. و الـنـهـى .. فلهذه قـوانين وأحكام و لـهؤلاء قوانـيـن وأحـكـام ..
مقتطفة من كتاب “مُحَمَّد مشكاة الأنوارﷺ (قطوف محمدية) “- لعبد اللـه // صلاح الدين القوصى
يتبع …