- واقعة الإسراء والمعراج تحتاج إلى إيضاح … فإن فيها من العجائب ما لا يفهم بالعقل البشرى العادى … فمثلا رسول اللَّه يرى أقواما يزرعون فى يوم و يحصدون فى يوم و كلما حصدوا عاد كما كان …..
بـيـنما يقول كتَّاب السـيـرة أن رسول اللَّه ﷺ عندما عاد كان فراشة دافئا… أى لم يغب إلا ساعة أو بعض ساعة…
و كذلك رأى رسول اللَّه ﷺ الـجنة وأهلها والنار وأهلها … والمفروض أن الجنة والنار يدخلهما البشر يوم القيامة !!!
وإذا أضفنا أن اللَّه تعالى منزه عن الصعود إليه فى جهة مكانية… وإن معنى الصعود هو الارتفاع و الرفعة إلى مستوى الـقــدسيـة.
فـنـقول و باللَّـه التوفيق أن رسول اللَّه ﷺ … فى رحلة الإسراء والمعراج كشف اللَّه له حجب النفس… ورفع روحه الشريفة إلى الملأ الأعلى وإلى مقام المناجاة والمخاطبة الإلاهية … حيث لا جهة ولا مكان ولا زمان … فانكشف لرسول اللَّه ﷺ ما كان مستورا عنه فى روحـه الشريـفـة… وأنارت الروح بنور ربها زيادة وزيادة فعلم ﷺ الماضى والحاضر والمستقبل فى آن واحد .
و كانت المناجاة مع اللَّه تعالى حيث لا كلام بشفتين ولسان ولكن كما أراد اللَّه تعالى ..
ففى ليلة الإسراء والمعراج عرف محمد نفسه وروحه على الحقيقة دون غطاء .
والطــريـف أن لفظ”سماء” منه سما يسمـو سمـوا….. واللَّــــه تعالى يقول: ( تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى )… بينما يقول عن الحياة على الأرض … ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) … فهو يسميها “الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ” أى السفلى الأدنى … وهى حياة الأجساد والأنفس والشهوات والرغبات .
فمن سما إلى السموات العلى ، فقد ارتـفـع وترفع عن المادة والأرض وقوانينها … فالفوقية هنا ليست فوقية مكانية بقدر ما هى فوقية ترفع ورفعة .
يضاهى هذا المعنى قوله تعالى: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى )… عـلـو الـقـدرة والـقـهـر والـسمو والكمال والجلال… وإلا فإن اللَّه تعالى( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ) ..
جل جلال اللَّه… هو فى كل مكان بلا تشبيه ولا تمثيل ولا تجسيد.
و لا تـتعجب من حديثى هذا …فإن لك روحاً كانت تعيش من قبل بدون الجسم ، وكلمها اللَّـه تعالى و كلمت هى اللَّه جل وعـلا… وأنت لا تـتذكر هذا الآن… فعندما نزلت إلى الـجسد وعاشت بطريقة أخرى لم تعد تـتـذكر وكأن شيئا لم يحدث….. و سوف تذهب إلـى حـيـث أتـت مـن قـبـل حـسـبـما كان عملك و أفعالك ، و يذهب جسدك للتراب كأن لم يكن … وتظل أنت هو.. هو من كان قبل الجسد ومن صار بعد الجسد… فلا تعجب من كلامى السابق عن الروح و ما فيها من أسرار … أنت الآن بعقلك لا تدركها و لا تفهمها .
مقتطفة من كتاب ” محمد مشكاة الأنوار صلى الله عليه و سلم ” – لعبد اللـه // صلاح الدين القوصى
للإستماع إلى إذاعة ” حب النبى ” الدخول على :-