لقد كان سيدنا عبد اللَّه بن عمر يسير فى طرقات المدينة ويقول”دلونى على أثر مَسير رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم فعسى أن توافق قدمى أثر قدمه صلى الله عليه و سلم ” فانظر رحمك اللَّه إلى فرط هذا الحب الذى نقل أصحابه من اتِّباع رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم … فى العبادات .. إلى اتِّباعه فى العادات والأمور الدنيوية .. فإن سيدنا عبد اللَّه بن عمر لم يقل إن ثواب من وافقت قدمه أثر مسير رسول اللَّه كذا وكذا.. ولم يسأل الناس عن أثـر مسير رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم ليؤجر على ما يفعله .. فليس الأمر أمْرَ ثواب وعقاب ولكن المحبون لهم فنون .. ولهم أسرار لا تهتك دونهم .. فهو فرط الحب وكفى ..
فحب رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم فى حد ذاته نعمة كبرى من اللَّه عليك فالفضل كله للَّه تعالى .. وهو مفتاح كل خير .. وباب كل توبة .. وأساس كل طاعة.
وإن قال الناس إن الحب هو الاتباع لرسول اللَّه صلى الله عليه و سلم .. قلنا لهم صدقتم ولكن بشرط أن تكون المتابعة ظاهرة باطنة بمعنى اتباع أفعاله وأحواله الباطنية صلى الله عليه و سلم .. وما أصعبها إلاَّ من يسرها اللَّه له فاللَّه تعالى يقول : قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (آل عمران-31) .. فمن أحب أتبع نهج من يحب .. صدق اللَّه تعالى .. ولكن كم من حب فى القلب لا يعلل ولا تعرف له سببا .. وتضعف عنه قوة جسدك وطاقة روحك.
روى البخارى أن سيدنا النعيمان بن عمرو عليه رضوان اللَّه فى بداية إسلامه.. وكان يحب اللَّه ورسوله حباّ كثيرا.. ولكنه كان لا يخلو من أمور تستدعى إقامة الحد عليه.. فلما تكرر منه ذلك لعنه بعض الصحابة فى مجلس رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم وكرهوا منه مقارفته لما يستلزم إقامة الحد عليه.. وقالوا لعنه اللَّه ما أكثر ما يؤتى به، فغضب عليه الصلاة والسلام وقال لهم” لا تلعنوه.. فإنه يحب اللَّه ورسوله” .. أو قال” لا تلعنوه فو اللَّه ما علمته الا أنه يحب اللَّه ورسوله”.
فحب اللَّه ورسوله كان شفاعة له عند رسول اللَّه فى أن لا يسبه أحد .. ولكن لم تكن هذه شفاعة فى حد من حدود اللَّه .. فحدود اللَّه ليس فيها شفاعة .. فهذا رجل يحب اللَّه ورسوله.. ولكن ما زال فى نفسه بعض الكدورات.
مقتطفة من كتاب ” قواعد الإيمان ( تهذيب النفس ) – الباب الخامس ” – للإمام عبد اللـه / / صلاح الدين القوصى